منبر الدعوة والتبليغ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منبر الدعوة والتبليغ

(( موقع الشيخ / محمد على محمد إمام ))
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تأملات في منهج الشيخ إلياس(2)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد إمام
Admin
محمد إمام


المساهمات : 410
تاريخ التسجيل : 18/05/2012
العمر : 61
الموقع : شبكة الدعوة والتبليغ

تأملات في منهج الشيخ إلياس(2) Empty
مُساهمةموضوع: تأملات في منهج الشيخ إلياس(2)   تأملات في منهج الشيخ إلياس(2) Emptyالثلاثاء سبتمبر 22, 2015 2:39 pm

[size=18][size=18][color=#0066ff]ما هو معيار الإصلاح ؟
إن عقل الإنسان قد فشل في تحديد مناهج الإصلاح للبشرية ، والقوانين الاجتماعية المسنونة لتحريك ضمير الفرد والحفاظ على النظام: أصبحت غير نافعة بدون الإيمان فالحكومات، والأحزاب وأصحابها يبذلون جهودا ضخمة للحد من الجرائم، يستخدمون فيها جميع الوسائل الممكنة لهم، ولكن النسبة المرتفعة للجرائم يوما بعد آخر دليل على أن ( عقوبات الجريم ) التي اخترعوها في الدنيا ليست رادعة، حتى تمنع المجرمين من ارتكاب جرائمهم .
والقوانين الوضعية قد فشلت تماما في تحقيق الطمأنينة للأفراد والمجتمعات، فلزم على الإنسان أن يغترف هدايته من مصدرها الأصلي، ويؤمن بالله ورسوله، ويقوم بإبلاغ هذه الحقيقة إلى الآخرين .
وعلى هذا الأساس يقول فضيلة الشيخ العلامة وحيد الدين خان: إن الفرق الأساسي بين الجماعات الإسلامية والأحزاب الدينية وبين منهج الشيخ محمد إلياس ليس فرق العموم والخصوص - أي إن عند الأحزاب الأخرى تصور محدود في الإصلاح، وعند الشيخ تصور لا حدود له - بل إن الفرق هو : من أي مجال تبدأ حركة إحياء الدين وإقامته ؟ ومن أية نقطة تبدأ بذل الجهود والتضحية ؟ .
فكانت ثقته وإيمانه: بأن ميادين بذل الجهود مثل البرلمان أو المؤثرات أو الاجتماعات الكبيرة، أو عقد اللجان العليا، أو المواسم الانتخابية وغيرها من الأعمال العامة ليست ميادين للعمل، لأن كل تلك الميادين لم ولن تنفع إلا حينما يكون المجتمع الإسلامي مُبصَّرا بنور الهداية واليقين ، فتدلى بالصوت لمن يكون أكثر إيمانا ويقينا بالله سبحانه وتعالى .
فما بال قوم في مثل هذه الترهات، إذ يقوم أفراد المجتمع وهم لا يعرفون معنى اليقين والإيمان .
فلذا يقول الشيخ محمد إلياس: إن المجال الأصلي لبذل جهود المسلمين هو: القيام بإحياء اليقين بقدرة الله والامتثال لأوامره وطلب نصرته فيها، فالإنسان ينال بذلك السعادة الكاملة، وكل المخلوقات تسخر له، إذا سخر نفسه في إعلاء كلمة الله، لأن نواصي كل المخلوقات في يد الله، ولأن الكونيات تابعة التشريعات فإن خضعنا للتشريعات، تخضع لنا الكونيات  .
يعنى أن الكون يهيمن عليه المشرع، فإذا امتثلنا لما شرعه وخضعنا وسلمنا بقدرته وثوابه وعقابه، سخر لنا الكون وما فيه بأسره .
ثم يقول الشيخ محمد إلياس رحمه الله : إن الشعوب والأقوام قد ركزت جهودها في المادة، فانعدمت واختفت عن مسرح الأرض، مثل قوم ( سبأ ) ركز أهلها جهودهم على الزراعة، وقوم شعيب على الصناعة والتجارة، والفراعنة على الملك، وآل قارون على جمع الأموال، فكلهم فشلوا في نيل السعادة الكاملة.
أما الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فقد بذلوا جهودهم فى سبيل الإيمان، وإعلاء كلمة الله ، فخضعت لهم مفاتيح الدنيا والآخرة .
ثم يلخص الشيخ كلامه ويقول: إن بنية النجاح ينحصر قيامها في باطن الإنسان، لا في الأشكال الظاهرة، فإن قامت تلك البنية وقومها الإيمان الكامل الشامل بجميع شعبه : يخضع له كل ما في الأرض والسماوات من الأشكال الظاهرة، وهذا هو معنى الكلمة الطيبة، وهذا هو معنى الإيمان، وهذا هو المعيار الأسمى للإصلاح .
ويقول الشيخ محمد إلياس: إن حركة الإيمان - أي الدعوة إلى الحق - تتفوق على جميع الأعمال، كتفوق النبي صلى الله عليه وسلم على سائر المخلوقات، فكما لا يمكن أن تعيش الإنسانية بالأمن والسلامة إلا بأن تلجأ إلى ظل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هكذا لا يمكن للأعمال أن تبقى وتنمو بدون الإيمان الكامل والقيام بحركة فعالة لإحيائه .
ثم يوضح الشيخ محمد إلياس رحمه الله هذه الحقيقة بقوله: لماذا امتاز سيدنا أبوبكر الصديق رضى الله عنه عن سيدنا عمر رضى الله عنه ؟ بسبب ( الكلمة الطيبة ) فقط ، مع أنهم جميعا رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يعبدون الله حق عبادته ويؤمنون به .
يقول الحسن البصرى رضى الله عنه حيث يقول: والله ما كانوا أكثر صلاة ولا صياما ، ولكنه شيء وقر في القلب ) فبقدر ما تزيد قوة الإيمان في الإنسان، تزيد كرامته بنفس القدر عند الله ، فإن ألفاظ الكلمة الطيبة ليست إلا لباسا لها ،أما في داخلها فهي شيء آخر ، فاستمروا في البحث عن هذا الشيء الذى لا نهاية له  .
أليس هذا هو نفس الشيء الذى أشار إليه الحسن البصرى بقوله: والله ما كانوا أكثر صلاة ولا صياما، ولكنه شيء وقر في القلب  .
إن الشيخ محمد إلياس انفرد في أسلوبه حيث إنه يركز جهوده دائما في نقطة أساسية قلما اتجه إليها الآخرون  ألا وهى: قيمة الإيمان الكامل بالله جل وعلا، وقيمة الأعمال في حياة الإنسان .
يقول الشيخ محمد إلياس: ليست قلة العلم والأعمال والعبادات هي التي تنقص المسلمين، وإنما ينقصهم الإيمان الكامل بمعنى الكلمة، والاحتساب، فإن أقدار الأعمال تقدر بقيمة الإيمان، فلا تفيد الأعمال من لا إيمان له، لأن غير المؤمن بالله سبحانه وتعالى يقوم بالأعمال لمصالحه الذاتية، فلا تكون تلك الأعمال لله سبحانه فمن هنا يأتي الخداع والنفاق بدل الإخلاص  .
يقصد الشيخ هنا أن أعمال المؤمن أساسها الإخلاص، وأعمال غير المؤمن مبنية على المصالح الذاتية، وأساسها على النفاق، فمن تجد فيه علامة من هذه العلامات فهو من أصحابها، وإن العمل لا يثمر بدون الإخلاص، بينما الإخلاص لا يأتي بدون الإيمان .
يقول الشيخ محمد إلياس : إن الجهد في إعلاء كلمة الله لزم أن يكون أعلى وأرفع مما يبلغه العقل من القياس إلى مقاييس المنفعة، أي يكون بعيدا عن المصالح الذاتية، وخالصا لوجه الله ولرضائه، حيث تنطلق سفينة الجهد بالإيمان والتوكل الكامل على ذات الله سبحانه .
فهذا هو أصل الدين وأساسه، وإن الدين هو الإجابة الحاسمة لجميع التساؤلات التى يواجهها العقل الإنساني، والإيمان به هو منطقها الوحيد، وبذلك يكون الدين هو الوظيفة الأبدية للروح الإنسانية  .
أما من جهة وجود الدين : فإنه عمل إلهى ، ولا اعتبار للعقل فى وجوده إلا عند التكليف ، فيناط التكليف بالعقل ، وبالرغم من أنه عمل إلهى أو وحى إلهى ، فإن له أصولا وجودية ، حيث جرت سنة الله على أن يكون الدين رسالة سماوية إلهية منه وحده - إلى الإنسان - على يد الرسول ، فمن هنا يمكن أن يقال :
إن الأصول الوجودية للدين ثلاثة ، على أساس أن الدين عبادة ، والعبادة تقتضى :
1- معبودا هو { الله } 2- علاقة هو { الرسول } 3- عابدا هم { العباد }
والدين هو الأمر الوحيد الذى يرتبط بإله تتصل به المخلوقات ، ولا انفصال بين الدين وبين الإنسان والإله ، فعندما يكون الدين : يكون الإيمان بالله ، وإن تركت هذه القضية إلى عمل عقلى بحت فإن ذلك يكون من أهم مصادر القلق فى محاولات العقل لإثبات المجال الروحى أو نفيه . أما مجال سيكولوجية التصوف فإنها تأكدت بأن البحث النفسانى لا يستطيع أن يقرر صحة التجربة الدينية كطريق لمعرفة الحقيقة .
فالوحى إذن : عمل غير عقلى لدوام العلاقة بين الله وبين العباد على منهج روحى ، ولتنظيم علاقة ثنائية فى الإنسان بين روحه وجسده ، وبين مقاصد الروح ومطالب الجسد وعلاقة الإنسان بالله ، ثم إن الوحى هو حقيقة الدين ، والحقيقة الدينية غير الحقيقة العقلية من حيث إرتكازها على الإيمان ، لأن الإيمان يحتاج إلى حاسة فى الإنسان ، غير العلم بالشىء ، وهذا هو موضوع الإيمان .
فالإنسان لا يؤمن على قدر علمه ، وإنما يؤمن على قدر شعوره بما يعتقد ، فثبت أن الحقيقة الدينية ليست تراثا عقليا ، بل أبعد من كل تصور عقلى ، غير أن العقل نتيجة تأثره بالدين استطاع أن يتآزر مع الدين عن طريق فلسفة ميتافيزيقية ، والتى كان من أهم خصائصها : ( أنها ثمرة عقلية خاضعة للحكم العقلى والمنطق ) . وكان من الممكن أن تظل تلك الفلسفة بعيدة عن الدين ، يجادلها العقل أو يحاجها ، لولا أن علماء الدين احتضنوها ، فدخل العقل بها إلى قدسية الدين ، وبات العقل يشغل نفسه بها ، مع أنها ليست هى ( الدين ) .
ثانيا : هو : أن الدين وحى إلهى ، وأن الفكر شىء بشرى ، ومن وفق بين الدين والفكر : نظر إلى تدين المفكرين ، ومن خالف بين الفكر والدين : نظر إلى الدين على أنه وحى .
فالحقيقة الدينية من حيث الأساس : الله - الرسول - العباد .
وإن هذه الحقيقة واحدة لاتحمل التعدد ، ثابتة لاتقبل التغير ، منسجمة لاتقبل التصارع ، وهى ترتكز على المبادىء الثلاثة : الوحدة - والثبات - والإنسجام .
فيكون الترتيب كالآتى :
أولا : مصدرها هو ( رمز الوحدة والتوحيد ) .
ثانيا : طريقها ( الرسول ) ، ولم يثبت أن أوحى لرسولين برسالتين متناقضتين ، حتى يقع الصراع بينهما فى زمن واحد ، كذلك فإن الرسالات الحقيقية أكدت نفسها بما سبقها من حقائق الوحى المنزل ، فالكل يستند إلى الوحى الإلهى .
ثالثا : مقرها ( الإنسان ) ، فحقيقة الدين : لا إله إلا الله ، والإنسان هو الإنسان : وهو مخلوق الله ، ولا يستطيع الإلحاد العلمى أن يغير ذلك .
ولاشك أن أساس التصارع فى الدين والإنقسام والتغير والتعدد فيه يرجع إلى الإنسان ، وإلى الفكر الدينى الإنسانى ، لا إلى المصدر الأصلى الذى هو ( الله ) وحده لاشريك له ، لأن المعرفة العقلية الموضوعية قد عجزت عن الوصول إلى الهدف المنشود ، لأنها لا تتجاوز حدود العقل ، ولا تدرك إلا ماهو عام .
وهكذا المعرفة الباطنية فى الوجود ، التى يستطيع العقل بها أن يدرك اللامعقول بعد أن يعلو على العام ، فثبت فشل هذين النوعين من المعرفة فى تاريخ الفكر الإنسانى .
إن الإنسانية تحتاج إلى ثلاثة أمور مبدئية وهى :
1) تأويل الكون تأويلا روحيا .
2) تحرير روح الفرد .
3) وضع مبادىء أساسية ذات أهمية عالمية تطور المجتمع الإنسانى على أساس الدين .
وهذه هى نتيجة الفكر الإنسانى الذى أقام نظما فى التاريخ البشرى - وخاصة فى أوربا الحديثة - ولكنه فشل لعدم قدرته على إشعال جذوة الإيمان القوى الصادق ، تلك الجذوة التى يستطيع الدين وحده أن يشعلها ، وأن يقيم بها أمة : لا تدانيها أمة من الأمم .
وفى آخر رحلته الفكرية احتاجت البشرية إلى ( كلمة سواء ) ، ولا تجدها الإنسانية إلا عندما تخضع للدين ، وهو الوحيد الذى يستطيع أن يعطيها هذه الكلمة التى فيها نجاة البشرية كلها .
إن الدين عند الله الإسلام ، وهو دين الحق ، وهو الذى أعطانا ( كلمة سواء ) وهى لا إله إلا الله محمد رسول الله .
ولهذه الكلمة أسس ثلاثة :
أولها : ( عقيدة ) أساسها : الوحدانية : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .
وثانيها : ( أخلاق ) أساسها : الرحمة : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .
وثالثهما : ( التشريع ) أساسه : العدل ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) . فالكلمة السواء هى ما قدمه الإسلام لأهل الكتاب والناس أجمعين ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ) .
والغاية من ذلك التقديم هو الإتجاه بالدين لأن يكون لله ولنفع الإنسان تحقيقا لقوله : ( ألا لله الدين الخالص ) . ثم إن هذه الكلمة من ناحية العقيدة - وأساسها التوحيد - تدعو العالم كله إلى الإيمان بالله وحده ، ومن أساس الأخلاق : أنها رحمة للعالمين ، ومن ناحية التشريع والعدل ، فالعدل لكافة الناس .
فكلمة الإسلام ، هى الكلمة الوحيدة التى ليس فيها ما يربطها بجنسية أو بشعب معين ، أو بإقليم ، أو بلد معين ، أو بشخص معين ، وهى لا تشير إلى زمان تحدد به ، ولا إلى مكان تتقيد به .
الإسلام هو الدين فى إطلاقه المطلق ، ولا دين غير الإسلام : ( إن الدين عند الله الإسلام ) ، ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) .
فالحل الأول والأخير للبشرية هو ( الدين ) : وهو ( الإسلام ) .
وأساسه : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
فلا مناص للإنسان عن الإيمان بهذه الكلمة الطيبة التى يجد فيها علاجا لقلقه الدائم ، وبها يَسعد ويُسعد ، ويترقى إلى مراقى السعادة بقدر رسوخها فى القلب ، وتبليغها للعالم ، فإنها هى الوحيدة التى يرتبط بها مستقبل البشرية جمعاء .

  أعطى الشيخ محمد إلياس - رحمه الله - إهتماما بالغا للعقيدة و ( الكلمة الطيبة ) التى كان لها بواعث خاصة فى بيئة شبه القارة فى ذاك الحين ، ومن أهمها الجهالة والإبتعاد عن الدين ، وخاصة الخطر المهلك الذى أظهرته حركة الإلحاد البرهمية ، والتى كانت فى ذروة نشاطها آنذاك .
إن كلمة ( الإلحاد ) - فى العصر الحديث - تستعمل بمعنى الكفر ، الذى يقابله فى معناه كلمة ( الإيمان )
يقول الشيخ محمد إلياس : ما الدهرية المادية إلا انقطاع الأمل عن الله، وربط الرجاء والأمل بالمادة والمال وأسبابه، فتنفق الأموال حتى تخرج قوة الإيمان من القلوب، وتنقطع الآمال من الله ، ثم يخضع الشعب لمن فى يده الحكم والمال .
  وما الدهرية إلا تقوية اليقين بالمادة الظاهرة لتحقيق الآمال ، وجعل الأسباب الظاهرة خلافا لأوامر الله .
   أما الإيمان فهو على خلاف ذلك ، أى إنه يجعل الأسباب تحت إرادة الله سبحانه وتعالى ، إذن فالفرق بين المؤمن والملحد هو أن الملحد ييأس لعدم بلوغه الأسباب ، فتضمحل أفكاره بضعف تلك الأسباب الظاهرة ، فيجد نفسه مجبرا مضطرا ، أما المؤمن فهو يدعو الله وقت حرمانه ، ويقوى إيمانه ويقينه عند ضعف الأسباب الظاهرة له ، بل ويصبر ويستقيم على ما آمن به ، ويعتبر الحرمان شيئا زائلا مؤقتا ، ثم يوقن فى قلبه بأن إرضاء الله هو الثروة الحقيقية فى حياته . وبذلك يزيد إيمانه وأهميته بمخالفته الظواهر ، وتتغلب لذة الإيمان على لذاته المادية.
   هذه هى خلاصة ما وصل إليه الشيخ محمد إلياس ، معتذرا بأنه إن لم تتجل حقيقة الإيمان على قلوب المسلمين ، أو لم يتمتعوا بلذاتها : ستتغلب عليهم اللذات المادية ، دافعة لهم إلى الإرتداد ، حتى لاتكون هناك أية علاقة بينهم وبين الله ، وبذا تنقطع آخر وسيلة يسعد بها الإنسان فى حياته ، ومن ثم قام الشيخ محمد إلياس بحركته الإيمانية مبينا للناس أن النكسة المريرة لها أسباب عديدة فوضح أسبابها وعرفهم أن السبب الأكبر فى فقدان معنويات كل شىء ليس إلا النقص فى الإيمان وبسبب هذا النقص لايثمر أى عمل يقوم به الأفراد أو الجماعات ، ولذا فقد أمرهم بأن يقوموا بحركة الإيمان ، وبالأعمال الإيمانية ، مؤكدا - على الدوام - بأن حركتنا ماهى إلا حركة إيمانية ، ويجب القيام بها حتى تتفجر الطاقات الإيمانية فى قلب كل مسلم وهذا أمر لابد منه لبقاء المسلمين والإسلام على وجه الأرض .
يقول الشيخ محمد إلياس : إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، وبشريعته المطهرة ، هو النعمة العظمى للإنسان ، ومن لم يقدر نعمة الله عليه ، ويهرب منها فقد كفر، وليس معيار الشكر والتقدير إلا أن ينفذ أوامره فى حياته، ثم يبلغها إلى غيره  .
ويقول الشيخ محمد إلياس عليه رحمة الله ( إن الجوهر الإنسانى للإنسان وكمال الإنسانية هو أن يعرف الإنسان ماهية عمله ، ووظيفته فى الحياة ، ويتبع الصراط المستقيم ، ويسير أمور حياته بالعبودية الكاملة ، طبقا للدستور العملى الذى قدم نموذجه الكامل النبى الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهذا هو الغرض الأصلى للحياة ، وسبب سعادة الإنسان فى الدارين ، وهذا هو الطريق الذى تصل به الإنسانية إلى أعلى درجات الكمال ، وتضمن له الأمن والسلام والسعادة فى الحياة، لأن جميع تلك النعم وأمثالها منحصرة فى هذا الإنقياد الكامل .
  وهذا هو مايطلق عليه إسم الشريعة التى تحكم إرادة الإنسان ) .
   ويقول الشيخ محمد إلياس رحمه الله ( إن الصلاح والإحسان والبر هو أصل فطرة الإنسان، ولكنه يحتضن فى كيانه مشاعر السوء . وقد خلقت قوتان لتغطية هذه الخصلة ، وسترها ، هما : النفس والشيطان .ثم أعطى قوة عظمى لتنمية الفطرة الأصلية ، وإيقاظها لمواجهة مفاسد النفس والشيطان وهى الإذعان لله ، والإيمان واليقين المحكم بكلمة لاإله إلا الله محمد رسول الله . فصارت هذه الكلمة الماء الساقى لفطرة الإنسان الأصلية وتنميتها ، وسلاحا قويا لطرد المشاعر اللافطرية ، ولمواجهة النفس والشيطان ، فكل القوى الشيطانية واللافطرية مقهورة أمام هذه القوة الإلهية ، وبقدر تقرب الإنسان إلى هذه القوة وارتباطه بها : يكون رقى جميع الطاقات الروحانية ، وسموها إلى أعلى درجات الكمال ، حتى تظهر آثارها تتلألأ بنور الوحدانية وتضىء الكون ، وبذلك تسخر للإنسان كل مافى الكون من المخلوقات ، أما من ناهض هذه القوة وعاندها : انهزم واندثر . قالواجب إذن : إحياء يقين الكلمة الإلهية فى القلب ، بحيث ترسخ حقيقتها فى الشرايين والعروق ، وبذلك يبدأ دور الحياة من جديد فذا بديعا ، وينال السمو الفكرى الرفيع ، حتى يقهر أمامه كل مافى الأرض .
هذا هو ما نسميه ( تقلب القلب )، وعلاج مرضاه يأتى أولا بإيقاظ القلب الميت، ونفخ روح الحب والعظمة فيه، أو تليين القلب المنحجر وتقويته بحرارة الإيمان، ثم الإلتزام بترك بعض الأمور، والتمسك ببعضها وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر، الذى ينكر الحقيقة ، ويلقى طوق الإنقياد والإيمان محررا نفسه منه ظاهريا، ومن ثم يفعل مايشاء.
أما المؤمن فهو يوقن بتلك الحقيقة، فيخضع نفسه وهواه وشهواته وطمأنينته طبقا لأوامر الله ، ولا يتجاسر أن يخطوو بقدمه بغير حكمه جل وعلا، وهذه هى الحقيقة التى أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )، لأن الكافر يختار أعماله لنفسه بنفسه ، طبقا لأهوائه الخارجة عن أحكام الله ، وبذا يصبح مختارا فى حكمه من دون الله ، مصداقا لقوله تعالى ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ...........) سورة الجاثية آية 23 ، 24 .
   فعلينا أن نترك معية الكفر، ونتمسك بما يأمر به الدين الحنيف لئلا يكون ( الإسلام ) إسما فقط ، ويغرق المجتمع الإسلامي في خضم الكفر، وإن بذلت الجهود - في سبيل الإسلام - على نفس الأساليب الخاطئة ، فلم ولن ينتفع بها المسلمون بل يرتقى بها أهل الكفر والفسوق والعصيان على هامات المسلمين ) من كتاب ( الدستور العملى ) للشيخ محمد إلياس نقلا عن ( ماهو التبليغ ) ص 108 .
أسباب شيوع الإلحاد وأساليب مواجهتها :
إن العوامل الرئيسية التى تسببت فى شيوع الإلحاد فى العالم الإسلامى - فى العصور الحديثة - عديدة ، منها : محاولة المستشرقين -- سواء منهم من كان يخدم أغراض التنصير أو كان يخدم أغراض الإستعمار الغربى فى السيطرة على شعوب العالم الإسلامى ومقدراته -- الطعن فى الإسلام ، وتشويه حقائقه لتتزعزع ثقة المسلمين فى إسلامهم - والترويج للقيم الغربية ، حتى تتهيأ نفوس المسلمين لقبولها ، فينتشر الفكر اتلمادى والغربى ، الذى جاءنا بنتائج فاسدة عدة ، منها : تقديس العقل وتحكيمه فى كل شىء بدون تفريق ، على أن فهم الدين ليس ميسرا للشباب المثقف ، وذلك بسبب ندرة الكتب الإسلامية القيمة ، أو صعوبة فهمها ، كما يحرضون على إقامة المناظرات مع المسلمين في المسائل الفرعية، فيوجهون اهتمامهم إلى شن الهجوم على القيم الإيمانية التي تمسك بها المسلمون، حتى في الفترات المحزنة للغاية .
وقد اعتقد الشيخ محمد إلياس أنم بث الخلاف بين المسلمين فى المسائل الفرعية ، والسكوت على هذه الضلالة الكبرى فى تزوير التاريخ البشرى ، وعدم القيام بالحركة الإيمانية ليس إلا مشجعا لسقوط العالم الإسلامى فريسة للإستعمار الأحمر ، بعد رحيل هذا الإستعمار الأبيض .
فيجب إذن على المسلمين القيام بحركة الإيمان ، وبذل الجهود لها بكل مايمكن ، كما يجب على العلماء شرح معانى الإلحاد ومبادئه بجميع أسمائه وأشكاله ونتائجه - فلسفيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وعلميا وخلقيا ، وثقافيا ، وتربويا ، ونظريا ، وعلميا - بحيث لا يحتاج أفراد الأمة إلى من يشرح لهم ماهيته ، فإن الإلحاد قد حدد وجود المسلمين المؤمنين بالله - فى العالم الإسلامى نفسه - بعد أن ذابت الأقليات المسلمة فى هذا السيل الجارف فى البلدان التى اغتصبت على يد الملاحدة .
يقول العلامة الشبخ / أبى الحسن على الحسنى الندوى - رحمه الله - فى كتابه { الشيخ محمد إلياس ودعوته الدينية } ص 296 : ( حينما شنت القوى المعادية سلسلة المناظرات على المسائل المختلفة فى الدين ، لإثارة الشك فى المجتمع الإسلامى ، وأخذوا يناظرون العلماء على المسائل الخلافية . أرادوا بذلك أن يكون الشعب حكما بينهم . وكيف يكون الشعب الجاهل معيارا للفصل فى المسائل الجدلية بين الحق والباطل ، فى الأفكار والمسائل الميتافيزيقية ، والتى فشل فيها جميع فلاسفة الأرض ؟ .
حينئذ طلب الشيخ محمد إلياس اجتماعا كبيرا من دعاته ، ليقفوا ضد تلك التيارات الملحدة بكل ماأوتوا من علم وفكر ، وبكل الوسائل الممكنة ، حيث قال لهم : ( إذهبوا وانتشروا فى البلاد ، وانشروا هذه الحقيقة وذكروا الناس بأن القوم الذين لم يطلعوا على ظواهر معانى كلمة التوحيد أو الصلاة ، ولم يعرفوا بواطن هذين الأساسين لفظا ومعنى ، وأنهما من أصل الدين أم لا ، كيف يطلب منهم فهم مايلى ذلك من أمور ؟ فهذا خطأ كبير لفهم الأمور الدينية ، ولاداعى لها إلا بعد أن يفهم المسلم مبادىء دينه ، وماهو الأصل فى عقيدته )
إن إحياء الحركة الإيمانية ماهو إلا تفجير طاقات العقيدة الكاملة ، التى تملأ وجود المؤمنين نورا ، لتنطلق قوى الخير الكامنة مندفعة إلى طلب مرضاة الله تعالى فى كل فعل أو قول أو عمل ، مما يدفع الإنسان إلى بذل الجهد لأجل الأفضل والأكمل تقربا إليه سبحانه وتعالى ، وذلك حتى يصبح المؤمنون قرآنا يسير بين العالمين ، ونورا يهتدى به طلاب الحقيقة فى كل مكان ، وبذلك يقوم أهل الدعوة والتبليغ بتقديم أكبر خدمة للإنسانية فى صورة تجربة رائدة ، لتحرير المجتمعات من شبح الدنيوية الرهيب المتسلط عليها .
{ 4 } تأملات فى المنهج العملى للعلامة الداعية الشيخ محمد إلياس الكاندهلوى - رحمه الله
( بين الإيمان والوثنية ).
إن الجهالة والإغتراب عن الدين والضلالة والكسل والغفلة والإهمال وعدم الرغبة كلها كانت أسباب انتشار التقاليد الفاسدة بين المسلمين ، وابتعاد أبناء الإسلام عن دينهم ابتعادا كليا ، فصار المعروف منكرا ، والمنكر معروفا ، والسنة بدعة ، والبدعة سنة ، وطمست الأعلام ، واشتدت غربة الإسلام ، وقل العلماء ، وغلب السفهاء، وتفاقم الأمر ، واشتد اليأس ، وظهر الفساد فى البر والبحر ، وطغت الوثنية على التوحيد فى كل مكان فى شبه القارة وغيرها من البلاد ، وصارت كأنها هى الأصل فى الأديان ، حتى بدأ المسلمون يرتدون إلى الكفر ، ولا يحسون فى ذلك شيئا من العار ، لأنه لم يبق ثمة فرق بين التقاليد الفاشية بينهم بإسم الدين ، وبين غيرهم من الكفار والوثنيين ! ....
ولما كان هدف الشيخ محمد إلياس رحمه الله إحياء حركة إيمانية ، صار الإلحاد والشرك من أول خصومه فى تلك المعركة .
يقول الشيخ محمد إلياس رحمه الله : ( كلنا نعرف أن الله تعالى ليس بغائب بل هو شاهد فى كل زمان ومكان ، فبكونه حاضرا وناظرا وعدم إلتفات العباد إليه وعدم الإرتباط به ، وربط العلاقة مع غيره ، والإنهماك والإشتغال بمن سواه ، أليس هذا هو الحرمان الأكبر ، وأكبر سبب يؤدى إلى غضب الله سبحانه وتعالى ، حتى يصل الإنسان إلى أبواب الجهالة ، وإلى الذل والهوان ، ولذلك لزم على الإنسان أن يبذل كل جهوده فى توثيق العلاقة بين الله سبحانه وتعالى ، فبقدر مايحتاج الإنسان إلى الله عز وجل فى الرجاء خالصا إليه ، يقتضى الإيمان بأن يجتهد المؤمن فى الإبتعاد عما سوى الله فى لزومياته وحاجياته ورجواته بنفس القدر ، فيعمل ويغض النظر بالقوة - المراد بالقوة هنا قوة النفس وقوة الروح وقوة الإرادة والعزيمة التى يطالبنا بها الحق جل وعلا ورسوله عليه السلام فى الكتاب والسنة - عما سواه تطبيقا لقوله تعالى ( إن أجرى إلا على الله ) أما الذين يرجون من دون الله جزاء الأعمال الحسنة ، فيقال لهم يوم القيامة : إذهبوا إلى ما كنتم تعبدون من دون الله وخذوا أجركم منه ) .
فالدعوة إلى الإيمان الكامل بالله كانت ولا تزال وستظل من أهم احتياجات البشرية على وجه الأرض ، وأن البشرية لم ولن تنال السعادة والمجد والكرامة والكمال حتى يغمرها الإيمان الكامل بالله سبحانه وتعالى بمعنى الكلمة .
وجملة القول أن الله أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ، فالهداية هى المهمة الأولى للإنسان بعد خلقه .
ومهما قيل من أن كثيرا من المصلحين والفلاسفة والأقدمين فى مصر واليونان والصين وبلاد فارس كانوا أنبياء أو رسلا ، أو قيل بأن كثيرا من فلاسفة الأقدمين فى تلك البلاد هى بقايا نبوات نسبها التاريخ فحشر أصحابها فى عداد الفلاسفة - ولعلهم من الرسل أو أتباعهم - فإنه لايتسع لنا المجال للبحث فى هذا الموضوع ، كما أننا لانستطيع تصديق القائلين به أو تكذيبهم إلا أن الحقيقة واضحة بأن هدى الله بلسان الرسل أقدم من تلك الفلسفات ، وقد قام الأنبياء بأداء تلك الرسالة ، وجرت سنة الله بأن يأتى نبى تلو الآخر لأداء تلك الفريضة ، حتى بعث الله خاتم الأنبياء والمرسلين .
وأنزل عليه الدستور الكامل الذى يحتضن فى كيانه الهداية الكاملة ، وهو خاتم الدساتير ، حيث أفصح عنه القرآن فى قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) . وهو تمام النعمة وتمام الهداية التى أنزلها الله لاإله غيره ، فى كتابه الكريم على خاتم المرسلين ،
ومنذ نزول الرسالة الخاتمة بدأ الإنسان يرقى إلى أعلى مراحل الروحانية ، كما نال أعظم درجات السعادة على وجه الأرض ثم فوضت تلك الأمانة إلى أتباعه صلى الله عليه وسلم ، فمن آمن واتبع فقد نجا وفاز ، ومن كفر وابتعد عن تلك التعليمات ولم يؤد حق الأمانة فقد ضل وغوى ، إلا أن هذا البعد قد زادت فجوته ببعد الزمان والمكان ، حتى رأى التاريخ أن المسلمين لا يعرفون إسلامهم أو حقيقة إيمانهم .
فعادت كرة تلك التساؤلات بنفس أوهامها وأشكالها ، وضل أبناء هذه الأمة فى ظلمات البر والبحر ، ولم يجدوا إلى الحق سبيلا .
وقد أخذت تلك الظاهرة يشتد أوارها فى البلاد المسلمة العربية وغيرها ، وخاصة فى شبه القارة الهندية الباكستانية ، حتى بدأ يرتد أبناء هذه الأمة إلى غياهب الكفر والوثنية والإلحاد .
ونظرا لهذه الضرورة القصوى قام علماء المسلمين بمواجهة هذا السيل الجارف ، ومن بينهم الشيخ محمد إلياس رحمه الله الذى قام بكل قواه الإيمانية موجها أبناء الأمة إلى حكمتهم الضالة ، وإلى توثيق العلاقة بينهم وبين خالق الإنسان ومدبر هذا الكون ، فبين لهم أن الإيمان بالله ورسوله هو الوسيلة الوحيدة لنيل السعادة فى الدنيا والآخرة .
وعن هذا يقول الشيخ / أبى الحسن على الحسنى الندوى - رحمه الله -:
( إن الشيخ محمد إلياس سلك منهجا قويا حسب ترتيب الأهم فالمهم ، حيث كانت بدايته رحمه الله من نفس النقطة التى بدأ بها النبى محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك تأسيا بمنهجه عليه الصلاة والسلام ،
وهى الإيمان بالله ورسوله ، والتى كانت الأساس الذى اهتم به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل كل شىء ، حتى إذا ما سأله قومه يوما : ماذا تريد منا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم كلمة التوحيد فقط . فإن آمنتم بها دانت لكم الأرض كلها .
فالإيمان بوحدانية الله ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هو : البذرة التى تنبت بها كل الأوراق والأغصان والأشجار للأعمال المحمودة ، فلزم غرس هذه البذرة ، قبل كل شىء ، ثم تأتى بعدها الأحكام الأخرى ) .
الإيمان بين الإسلام وأبنائه:
إن الإيمان الصحيح قد جاء به أول البشر آدم عليه السلام وعلم أولاده بتعليمه الصحيح، فكلما اختلفت البيئات ومؤثراتها الحضارية والثقافية، وابتعدت عن مركزالنبوات الصادقة : اختلفت مفاهيم الإيمان .
فالإيمان يزيد وينقص، كما أن الكفر يزيد وينقص، لا بسبب أصل تعاليمه أو معانيه في الإسلام، بل بسبب مراتب الطبقات في فهم المسائل وعدم فهمها، أو باقترابها وعلاقتها بالتعاليم القرآنية الصحيحة أو ابتعادها عنها .
ولذلك نرى أن إيمان الجاهل ليس مثل إيمان العالم، وإيمان العوام يختلف عن إيمان الخواص، وإيمان الداعية يختلف عن إيمان غيره، وهكذا إيمان أهل اللغة العربية يختلف عن غير الناطقين بها - بصورة عامة - وإن خرج علماء البلاد غير العربية عن هذا الإطار العام، أو الذين تربوا على يد هؤلاء العلماء الصالحين من العجم، فإن إيمان الصحابة يختلف في الكم والكيف عن غيرهم من أهل الحجاز ، كما أن درجة مفهوم إيمان أهل الحجاز يختلف في بعض الأحيان عن درجة إيمان غير أهل الحجاز من العرب .
وهكذا نجد قدر مفاهيم الإيمان تزيد وتنقص بسبب البعد عن مراكز نشر الدعوة وتعاليمها .
فإذا رأينا الإيمان في مركز النبوة وفى البلاد العربية المسلمة والبلاد المسلمة غير العربية، أو أدركنا إيمان أقليات المسلمين في بلد غير المسلمين نجد أن قدر مفاهيمهم تختلف بقدر اختلاف التربية، أو القرب أو البعد عن مركز النبوة، سواء كان هذا المركز مركزا زمنيا أو مكانيا أو علميا .
ولا يدل ذلك على الإسلام أو حقيقته بتغير الزمان والمكان، وإنما النقطة الأساسية هي: قدر مراتب العقول في فهم الإيمان وشعبه  .
ولكن رغم اختلاف المؤثرات الأولية والبواعث في نفس الإنسان لميله إلى البحث عن الإيمان وحقيقته وشعبه ودرجاته ومقتضياته، أو اختلاف مصادر البحث عنه للاطلاع عليه: فإن الإيمان في حد ذاته شيء واحد، ومفاهيمه واحدة، ومقتضياته واحدة، ومؤثراته واحدة لا تقبل التعدد والتجزئة في أي حال من الأحوال .

فالأمر الملموس هنا هو: هل يحتاج العالم إلى إدراك تلك المفاهيم وغايتها الوحيدة حتى تأتى بمؤثراتها واحدة، ويكون الدين كله لله، وتقوم البشرية كلها تنعم بنعمة الهداية من منهل وحيد وتدين للواحد الديان ؟.
إن الشيخ محمد إلياس قد أدرك تلك الحقيقة، وآمن بأن دعوة العالم كله للإيمان هي العمل الأوحد للمسلمين، وأنه لا يمكن القيام بتلك الوظيفة إلا بأن يقوم كل مسلم بترسيخ الحقائق الإيمانية في نفسه حتى يخرج عن إطار الإيمان التقليدي المحض ويصبح مؤمنا حقيقيا .
يقول الشيخ محمد إلياس: إن المسلمين قد بدأوا يرتدون عن الإسلام كما بدأ الأئمة المضلون يصدرون فتاوى الكفر للمسلمين ، أليست هذه هي الضلالة الكبرى التي توعدتها سنة الله أن يستبدل بهم قوما غيرهم ؟ إذن يجب علينا أن نقوم بإحياء حركة الإيمان حتى تتولد صفة العبودية الكاملة فى المسلمين ويبتعدوا عن تلك الضلالات ، ثم يكونوا بعد ذلك قدوة للآخرين  .
ويقول الشيخ رحمه الله ( ومما لا شك فيه أن في الإسلام والإيمان سعة ومقامات ودرجات ومنها: أن يولد الإنسان ففي دار الإسلام وفى أسرة مسلمة ويكون متبعا لخير الأبوين المسلمين فهذا يكفى لكونه مسلما ، حتى وإن وجد فيه تسع وتسعون علة من الكفر وعلة واحدة من الإسلام ، فيقال له : مسلم.
ولكن ليس هذا هو الإسلام الحقيقي، بل هو إسلام تقليدي، أما الإسلام الحقيقي فهو: أن توجد فيه حقيقة { لا إله إلا الله }، فحقيقة { لا إله إلا الله } هي: أن يؤمن المسلم من قلبه إيمانا حقيقيا ويلتزم بجميع مقتضيات هذه الكلمة الطيبة ، وعلامة هذا الإيمان هي أن تتولد في صميم قلبه وإرادته صفة العبودية الكاملة ، وأن يشغل قلبه في استرضائه سبحانه وتعالى وهو : أن يحتسب كل حين - فى جميع حركاته وأفعاله وإرادته - بأن الله سبحانه وتعالى راض عنه أم لا ؟ وبهذا الاحتساب يصل الإنسان إلى امتثال أوامر الله سبحانه وتعالى وترسخ فيه حقيقة ما أقره بلسانه في ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته .
ثم يقول الشيخ محمد إلياس: إن معنى إقرار اللسان بالكلمة هو: ألا يشغل الإنسان نفسه طبقا لأغراضه المادية، ولا يخشى على نفسه وكرامته باتباع الأوامر الإلهية وامتثالها  .
ثم يوضح الشيخ حقيقة الامتثال فيقول: إن حقيقة امتثال المؤمن لأوامر الله هو أن يكون تأثير يقين وعظمة تلك الأحكام غالبا على كل الانفعالات الطبيعية التي من هذا النوع .
وبعد ذلك يوضح الشيخ حقيقة الأحكام في الإسلام وعلاقتها بالإيمان ويقول: الإيمان هو أصل الشجرة وبذرتها، والصلاة جذع وساق لهذه الشجرة ، والأركان الأخرى هي فروعها وأغصانها ، ثم الأوراق التي عليها - يقصد بها الصدقات والحسنات دون الأحكام والأركان - فكل واحد مرتبط بالآخر فى سلسلة متناسقة ، فالدين هو هذه الشجرة التي تربو وتنمو بقوة الإيمان، وحركتنا هي: ازدياد قوة الإيمان وإنمائها  .
وكأن الشيخ محمد إلياس رحمه الله يشرح معنى قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت .......) سورة إبراهيم : الاية 24-25 ، إن الكلمة الطيبة تقتضى ترسيخها في القلوب والأبدان حتى يصبح المسلم مصداقا لقوله تعالى: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة  .
ولهذا الأمر الملموس اعتقد الشيخ محمد إلياس أنه ليس من الممكن أن تحرز أية حركة نجاحا إلا بأن تقوم بإحياء الإيمان الصادق قبل كل شيء ، حتى يعرف كل مسلم ألفاظ كلمة التوحيد ومعانيها ويقوم كل فرد بالأعمال التي تفتضيها تلك الكلمة الطيبة ، فيقول : فمن سوء الحظ أن القوم لا يعرفون الكلمة الطيبة لا لفظا ولا معنى .
  وهى التي تعتبر وثيقة الاعتراف بألوهية الخالق الواحد الأحد ، ونظرا إلى ذلك يجب علينا أن نبذل كل الجهود الممكنة في نشر هذه الكلمة الطيبة ومعانيها ، مضحين في سبيل تحقيق مقاصدها بكل غال ونفيس، لأنه يجب أن يعرف كل مسلم قراءة الكلمة الطيبة ومقتضياتها الحقيقية ، وإلا لم تكن البداية مثمرة مهما بذلت من الجهود في الدعوة  .
يقول العلامة الشيخ / أبى الحسن على الحسنى الندوي - رحمه الله - : إن الشيخ محمد إلياس كان يطلق على حركته { حركة الإيمان } وكان يعتقد أن هذه الحركة الإيمانية هى: الوسيلة الوحيدة لبقاء الدين الحنيف، فلابد أن يبذل الإنسان الجهود والتضحيات لهذه الحركة.
يقول الشيخ محمد إلياس في رسالته إلى الشيخ محمد سليمان الميواتي: لقد اعترف أهل الزمان بمصداقية تلك الحركة الإيمانية، فلا يمكن أن تظهر تلك الصورة في شكل عملي إلا بأن يقوم كل إنسان بالتضحية بكل ما عنده من الأموال والأنفس  .
أما عن القائمين بإصلاح الأمور الفرعية في الدين وأعمالها ، فإنه يقول: إن الخطأ الكبير هو أن الناس قد ظنوا أن الإيمان الكامل موجود في كل مسلم ومسلمة، ولذلك بدأوا بالأمور التي تأتى بعد الإيمان، مع أن الاحتياج الملموس هو: إحياء الإيمان نفسه في القلوب، فإن كلمة التوحيد هي الطرف الأول لحبل الله الذى يشد المؤمن إلى الدين الكامل، فكلما زادت علاقة المؤمن بهذه الكلمة الطيبة: زاد تعمقه في الدين، وإن انقطعت تلك العلاقة فإنه يبتعد عنه كل البعد، ولا يمكن إصلاحه إلا إذا رجع إليها ، وتاب مما اقترف من المعاصي  .
إن الحقيقة التي وصل إليها الشيخ محمد إلياس هي: أن الأمة الإسلامية قد بعدت غاية البعد عن حقيقة الإسلام فيجب أن يفهم كل مسلم حقيقة الإسلام، ولا يمكن أن يتم هذا الفهم إلا بدعوة المسلمين إلى الإسلام من جديد ، حيث يبدأ العمل من الأساس الأول ، وما الأساس إلا الدعوة إلى الإيمان .[
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://mnbr.forumegypt.net
 
تأملات في منهج الشيخ إلياس(2)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تأملات في منهج الشيخ إلياس(1)
»  الأمراء الثلاثة في جهد التبليغ والدعوة ( الشيخ إلياس، والشيخ يوسف، والشيخ إنعام الحسن ) الشيخ / محمد علي محمد إمام
» من أقوال الشيخ إلياس
» بيان للمفتي إلياس بن الشيخ محمود حفظهم الله سريلانكا المترجم المفتي نبراس حفظه الله سيريلانكا
» بيان للمفتي إلياس بن الشيخ محمود حفظهم الله سريلانكا المترجم المفتي نبراس حفظه الله سيريلانكا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منبر الدعوة والتبليغ  :: منبر التبليغ والدعوة-
انتقل الى: